“أرض الوهم” للمخرج اللبناني “كارلوس شاهين” دراما رومانسية مشوّقة تغوص بنا بين أرض الوهم والواقع، وضعنا المخرج من خلاله أمام العديد من التساؤلات.
فيلمٌ واقعي وراء عنوان وهمي، تدور أحداثه على عهد الرئيس كميل شمعون، أي خلال الحرب الأهلية اللبنانية، المكان ليس بوهم، وقد حدّده كارلوس بالقرب من “إهدن”، وهي مصيف لبناني في قلب الشمال، أما دير “مار مطانيوس قزحيا” فهو أشهر من أن يُعرّف، وقصّة مغارة الدير، والناسك…كلها حقيقة وليست وهم.
تناول كارلوس خلال الفيلم مواضيع جريئة لا بل محظورة في تلك الحقبة، بدءً من الديانة والطائفية “فقد بدأ الفيلم بأعجوية السيدة مريم العذراء تذرف الدموع”، الى تسليط الضوء على الطائفة الدرزية، ثم المشاهد الحميمة، والخيانة، والمثلية…
أرض الوهم ينقل واقع ما زلنا نعيشه حتى يومنا هذا، يضعنا أمام العديد من التساؤلات، هل يبثّ المخرج من خلاله رسائل لعلّ أوّلها تحرّر المرأة من قيود الزواج وجرأتها على مواجهة زوجها بشعورها تجاهه ورفضه، وإن شاء القدر والظروف أن تلتقي بشخص يعجبها فهذه ليست بخطيئة، فقد عمد المخرج أن تكون أوّل قبلة وعلاقة حميمة تقوم بها بطلة الفيلم ليلى خارج إطار الزواج ، وهي زوجة وأم، كانت على أرض الدير أمام الله وكأنها ليست خطيئة أو خيانة، سيّما أن الأم الفرنسية “ناتالي باي” Nathalie Bay، والدة الطبيب الفرنسي الذي أُغرمت به ليلى، هي من شجّعت هذه العلاقة ومهّدت لها من دون الأخذ بعين الإعتبار أن ليلى إمرأة متزوجة.
الى الأخت الصغرى التي ترفض أن يكون مصيرها مثل مصير أختها ليلى، أي أن ترضى بزوج فُرض عليها، بل كانت دائماً ثائرة على أهلها وعلى محيطها وتريد الذهاب الى بيروت لتدرس المحاماة، وكأنها رسالة لعدم الخضوع والثورة والدفاع عن أقلّ حقوق الإنسان، وعن دور المرأة في المجتمع وفي إثبات نفسها ورأيها، عندما تواجه ندى فتاة ال17 من عمرها والدها بالقول “شو بس إنت بتفهم وأنا كمان بفهم”.
ربما الوهم الوحيد يظهر في ردّة فعل الأشخاص خصوصاً في تلك الحقبة، عندما رأى “بدوي” زوجة صديقه “ليلى” تغادر الفندق ليلاً حيث يمكث الطبيب الفرنسي، وردة فعل الزوج بعد أن اعترفت له ليلى أنها تمقته وتكرهه وبعد أن صفعها يعود وينعتها ب”حياتي”، كذلك ردة فعل والد “ليلى” عندما تترك منزل زوجها فيقول لها “أنا قيد رغبتكِ أُطلبي ما تشائين”، الى جرأة “ليلى” على الهروب بالتزامن مع خطوبة اختها تاركة ورائها كل شيء حتى ابنها، وكأن المخرج يبعث رسالة “قبول وتسامح”.
روعة فيلم “أرض الوهم” في حبكة القصة وبساطتها وواقعيتها، بعيداً عن التفاهات والمبالغات والقصص الوهمية، حيث غصنا في أعماق القصة ولم نشعر بالوقت أبداً بل وكأنه انتهى بسرعة من كثرة تشوّقنا لمجرى الأحداث. أما الممثلون، فكان الملفت اختيار المخرج ممثلين غير مشهورين وكأنه ارتكز في اختياره على أدائهم، حيث كانوا على طبيعتهم وكأننا نعيش بينهم ومعهم، ولم يكن هناك مبالغة في الأداء والتعابير.
الفيلم من بطولة ماريلين نعمان، طلال الجردي، منالي باي، أحمد قعبور، أنطوان مرعب حرب و نخبة من الممثلين اللبنانيين، حيث نُثني على أداء ماريلين نعمان التي جسّدت دور ليلى، فقد كانت صادقة جداً في تمثيلها لدرجة مقنعة جداً، وقد شعرنا بوضعها الإجتماعي من أوّل مشهد. كما نُثني على أداء الطفل أنطوان مرعب حرب، وطبعاً طلال جوردي وأحمد قعبور، وجميع الممثلين.
كما نثني على حبكة الفيلم؛ سيناريو، تصوير، المناطق، الطبيعة الى التنسيق وإطلالات الممثلين.
لقد استحوذنا فيلم “أرض الوهم” ونال إعجابنا بكل تفاصيله من إخراج كارلوس شاهين، ونحن ننتظر بشوق العمل الجديد.