من لبنان، من قلب فينيقيا القديمة في مدينة صور الأسطورية وُلد لون أرجواني صوري، وأصبح هذا اللون العميق والمهيب، المستخرج من صدفة “الموريكس” النادرة، دلالة الملوكية والقوة والهيبة.
أمس، بينما كانت ملكة جمال لبنان ندى موسى تتألّق على المسرح ملكمة جمال الكون، كانت تحمل معها إرث أمّة تمتد مساهماتها في الثقافة والموضة منذ آلاف السنين.
من هو مصمم هذا الزيّ العريق، الذي اقترن اسمه “بالمناصر للحفاظ على الأرث” أكثر منه مصمم أزياء، هو جو شلّيطا وكان لنا من موقع 3alami.news هذا الحوار الخاص
هويته والتاريخ
لا يعتبر جو شلّيطا نفسه مجرّد مصمّم أزياء، بل فنان، أستوحى تصاميمه من ثقافة وتاريخ لبنان، محاولًا أن يدمج الأصالة مع الحداثة. وُلد ونشأ في أستراليا، حيث درس تصميم الأزياء هناك. في عام 2007، تقدّم بطلب للمشاركة في برنامج “مشن فاشن” الذي كان تحت إشراف المصمم اللبناني العالمي إيلي صعب، دون أن يكون ملمًا كثيرًا بلبنان، والمفاجأة كانت عندما فاز باللقب، فكانت تلك نقطة تحول في حياته المهنية، ورغم عودته إلى أستراليا بعد فترة قصيرة، إلا أنه شعر بأن شهرته في لبنان تستحق العودة.
أطلق أول مجموعة له في بيروت، ومنذ ذلك الحين، لمع إسمه وأصبح هدفه إبراز هوية لبنان من خلال الموضة، مع دمج التراث مع الابتكار.
التحديات والطموحات
يقول جو “تمّ الإتصال بي من قبل لجنة ملكة جمال لبنان طلباً لزيّ تراثي عريق لتمثيل لبنان في مسابقة ملكة جمال الكون”، وبالرغم من حجم إلتزاماتي ومن ضيق الوقت، قبلت، فالتصميم بالنسبة لي ليس مجرد مهنة، بل رسالة”. وأضاف بأن تصميم الزيّ استغرق ثلاثة أسابيع تحت ظروف صعبة، حيث عمل عليه بلا توقف ليلاً ونهارًا. وقتها، كان يرغب في السفر إلى لبنان، للتعرّف على ندى كوسا والعمل معها عن كثب، غير أن ظروف الحرب حالت دون تحقيق رغبته. ومع ذلك، تمكّن من إنجاز الزي في الوقت المحدّد، رغم كل الصعوبات والضغطوطات.
يعكف جو على كل تفاصيل عمله بنفسه؛ فهو لا يأتمن أحدًا على دقة وجودة أعماله، بل يفضل أن يكون هو من يصمم ويحيك كل قطعة بيديه، في مسعى للحصول على قطعة فنيّة خالية من الشوائب كما ولإبراز لمسات الفنان الشخصية في كل تفصيل.
حيث يقول “أشعر أنني مثل الفنان الذي يرسم لوحاته بنفسه، لا يطلب من أحد رسمها بدلاً عنه، وأؤمن أن الناس يدفعون مقابل لمسات الفنان الشخصية وإبداعه”. لهذا السبب، لا يسمح لأحد بأن يشاركه في حياكة قطعه، خاصةً إذا كانت قطعة إبداعية سوف تُعرض على المسرح
صرخةٌ اختصرت الإبداع
اعتلت ملكة جمال لبنان ندى كوسى مسرح ملكة جمال الكون على وقع صرخةٌ اختصرت كل الإبداع والفن والثقافة اللبنانية، وعن إطلالتها
يقول جو “الزي مستوحى من أناقة وقوة أميرة لبنانية من القرن التاسع عشر، مزين بمعطف كوبران التقليدي، وهو تحفة من المخمل المطرز يدويًا”. فوق الرأس، يقف شامخًا “الطنطور”، غطاء الرأس المخروطي الأيقوني، الذي كان ترتديه النساء النبلاء في لبنان، رمزًا للفخر والجمال.
وأضاف: “هذا ليس مجرد زي؛ إنه تكريم لتراث لبنان، الذي لطالما كان منارة للأناقة والتاريخ والتأثير، كما أن اللون الأرجواني الملكي هو بمثابة احتفال بهويتنا الثقافية”.
اعتمد في تصميمه على استخدام تدرجات اللون الأرجواني، وهو رمزًا للملكية والفخامة، حيث أن “الكاب المخملي” الذي كان يُعتبر علامة على الثراء والمكانة في القرن التاسع عشر، صمّمه يدويًا بتطريزات دقيقة تعكس الفخامة التاريخية، حيث حرص على ادخال ارزة لبنان الشامخة كشموخ هذا البلد رغم كل الارمات. فكما سبق وصرّح لنا هو دائمًا يحرص على العمل اليدوي بالكامل في تصميماته، حفاظًا على أصالة العمل وروحه. كما استخدم خامات مثل “الأورغانزا” لإبراز الشفافية والحسية في التصميم، مع “المخمل الثقيل” لإضفاء الفخامة وخلق توازنًا يعكس التراث بطريقة عصرية، فقد أراد إبراز جسم ندى الممشوق مع التركيز على تطريز الصدر تاركاً فتحة صغيرة لإضفاء القليل من الأنوثة.
أما الطنطور، فهو قطعة لبنانية فريدة، من أهم القطع التي صممّها، متأثرة بالعهد العثماني، لكنها تحمل هوية لبنانية خالصة، صنعه يدوياً من النحاس تماماً كما كان يُصنع قديمًا، مع إضافة تفاصيل دقيقة. هذه القطعة تمثل محاولة للحفاظ على تاريخ لبنان وإبرازه بشكل أصيل، في وقت تهيمن فيه النسخ الحديثة الرخيصة تفتقر إلى الجودة والدقة والمصنوعة من الكرتون”.
الشغف
جو شلّيطا إسمٌ اقتران بالإبداع اللبناني التراثي الأصيل، ورحلة جو مع تصميم الأزياء ليست مجرد عمل، بل هي قصة حب مع التراث، ومحاولة لخلق هوية بصرية للبنان من خلال الموضة، حيث اختتم بالقول “أعتبر نفسي فنانًا يسعى لترك بصمة ثقافية، وليس مجرّد مصمم يخلق قطعًا جميلة”.